Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التطور والداروينية

الفيروسات القهقرية داخلية المنشأ

أقوى أدلة التطور؟

الفيروسات القهقرية (العكسية) داخلية المنشأ

هل هي أقوى أدلة التطور؟

إحدى الحجج الشهيرة لأنصار التطور هي وجود ما يسمى بالفيروسات العكسية داخلية المنشأ – Endogenous Retroviruses ويعتبرها التطوريين إحدى أقوى الحجج الجزيئية على تطور الرئيسيات من سلف مشترك! فما صحة هذا الافتراض، وهل يختلف حقاً عن بقية أدلة التطور الظرفية التي تقوم في العادة على الاحتجاج بالجهل والاستدلال الدائري؟!

فلنوضح أولاً بعض المفاهيم

أولاً لابد أن نعلم أن الحجة التي يقدمها التطوريون تختص بما يسمونه “الفيروسات العكسية داخلية المنشأ” وليس كل الفيروسات العكسية. فالفيروسات العكسية هي نوع عادي من أنواع الفيروسات، وسميت بالعكسية لأنها تسير في عكس اتجاه العملية التحولية الطبيعية لتخليق البروتين من DNA إلى RNA ثم إلى بروتين، حيث تقوم هي بتحويل RNA إلى DNA عن طريق إنزيم النسخ العكسي reverse transcriptase ومن أشهر الفيروسات العكسية فيروس HIV المسبب لمرض الإيدز.

ما هي إذا الفيروسات العكسية داخلية المنشأ – ERVs؟

هي أجزاء من الجينوم وجدت في جينوم الرئيسيات كالبشر والقردة العليا يشبه تسلسلها الفيروسات العكسية، تم افتراض أن هذه الأجزاء هي فيروسات عكسية أصابت الرئيسيات وبقيت في الجينوم كخردة ثم انتقلت إلي البشر عبر المسيرة التطورية!
ولذلك، فالحجة باختصار يمكن تلخيصها في نقطتين:

1- يفترض التطوريون أن بعض أنواع الفيروسات العكسية كانت قد أدخلت المعلومات الجينية الخاصة بها إلى الجينوم الخاص بالأسلاف المشتركة المفترضة للرئيسيات ومن ثم تم توريثها لنا عبر الرحلة التطورية. وبالتالي، فمن المفترض أن تبقى أماكن تلك الإصابات واحدة في جينوم الرئيسيات عبر الرحلة التطورية لأنها ببساطة مجرد خردة لا فائدة منها وبالتالي لن يتغير مكانها.
2- من المفترض أن المواقع التي تصيبها فيروسات النسخ العكسي هذه هي مواقع عشوائية بحتة وبالتالي تفتقر تلك العناصر المتسلسلة إلى وظيفة أو غرض من تواجدها في أماكنها.

مناقشة الحجج

مع أن التطوريين يفترضون أن الانتخاب الطبيعي لابد أن يتخلص من الأشياء غير المفيدة أو التي لا تعطي صلاحية للكائن، إلا أنهم لا يرون أي مشكلة في بقاء تلك الأجزاء غير المفيدة والتي من المفترض أن بقاءها يعقد حياة الكائن حاملها ويستهلك المزيد من الطاقة والعمليات لملايين السنين!
فهل بقيت هذه “الخردة” المفترضة في أماكنها فعلاً أم أنها مختلفة ودخلت الجينوم المختلف للكائنات عن طريق صدف سعيدة كما يزعم التطوريون؟
في الدراسة المنشورة عام 2001 (1) وجد الباحثون أحد هذه التسلسلات، HERV-K موجود في الشمبانزي والغوريلا والبونوبو وغير موجود في الإنسان، وبالتالي فتواجدها لا يتفق مع السيناريو التطوري والشجرة المفترضة لتطور الإنسان، فأصلاً الغوريلا والبونوبو ليسا في الشجرة التطورية المفترضة، وغياب هذا التسلسل في الإنسان أصلاً يناقض مسألة الخردة التي يتم توارثها!
وأيضا في دراسة أخرى (2) قام فريق الباحثين بعمل مسح للخريطة الوراثية لجينوم الشمبانزي بحثاً عن ERVs، ووجدوا واحداً يدعى (PTERV1) موجود في الشمبانزي وقرود العالم القديم، وليس له نظير موجود في البشر.
ليس ذلك فقط، بل رصدت الدراسة اختلاف كبير وعدم تماثل في مواضع توزيع تلك التسلسلات، تقول الدراسة بوضوح:
“لقد وجدنا أن توزيع هذه التسلسلات بين الأنواع لا يتفق مع النظرة السائدة حول التشابه بين الرئيسيات، وبالأخص فيما يخص الإنسان والقردة العليا. على سبيل المثال، وجدناً موضعاً واحداً مشتركاً بين الغوريلا والشمبانزي، وموضعين مشتركين بين الغوريلا والبابون، وثلاثة مواضع مشتركة بين الماكاو والشمبانزي، ووجدنا تسلسل PTERV1 غائب تماماً في الإنسان والأورانجوتان. لو كانت هذه المواقع حقاً نتيجة تطور من سلف مشترك بين الإنسان والقردة العليا، فإن هذا يعني أن هناك ستة مواقع ارتباط على الأقل في جينوم الإنسان قد تم (مسحها) بالكامل، وبالتالي، يفترض أن هذه المواقع قد تم مسحها أيضاً بالكامل من جينوم الأورانجوتان (وهو غير موجود أصلاً في الشجرة التطورية المفترضة للإنسان) هذه السلسلة من الأحداث تبدو غير مرجحة على الإطلاق!”
وفي دراسة أخرى وجد الباحثون أن بعض التسلسلات الأخرى الشبيهة والمسماة Alu retroelements لها أماكن محددة للغاية على الجينوم وأماكن محددة للارتباط والنسخ (3).
وفي دراسة أخرى (4) للتطوري الشهير مايكل لينش يقول:
“لقد وجدنا حالات عدة لإنترونات (الأماكن غير المكودة على الجينوم وتشبه نفس فكرة تسلسلات الـ ERVs) في نفس الأماكن في جينومات لكائنات غير مرتبطة. يوفر هذا جدلاً قوياً ضد الافتراض السائد أنه كلما وجدت هذه التسلسلات في كائنين في نفس الأماكن فهما ينحدران من سلف مشترك”

هذه الدراسات تظهر أن هناك اختلافات كثيرة في هذه المواضع وأنواعها ووجود بعضها في أنواع من الرئيسيات واختفاءها في أخرى، أو وجودها في رئيسيات لا تتبع الشجرة التطورية الافتراضية.

هل هذه التسلسلات هي حقاً (خردة) لا فائدة منها تراكمت عبر الرحلة التطورية المزعومة؟

في الحقيقة فإن هناك العشرات من الدراسات التي أظهرت فوائد هامة للغاية لتلك التسلسلات، كبقية الأشياء التي افترض التطوريون أنها “خردة” ثم ثبتت وظائفها الهامة.
الدراسة التالية (5) تظهر فوائد هامة للغاية لهذه التسلسلات في عملية التنظيم الجيني وبدأ التعبير الجيني لجينات عدة، وأنها تحتوي العديد مما يسمى (المحفزات – promoters) والتي هي تسلسلات من النيوكليوتيدات لها دور رئيسي في ارتباط إنزيم رنا بوليميريز لبدء عملية النسخ الوراثي.
تقول الدراسة:
“لقد أظهرت دراستنا أن تسلسلات ERV في الجينوم البشري تحتوي عشرات الآلاف من المحفزات النشطة، تسلسلات ERV التي يتم نسخها تشكل 1.6% تقريباً من الجينوم البشري وعلامات النسخ التي تبدأ من تلك التسلسلات تغطي تقريباً 22.4% من الجينوم. تظهر هذه النتائج أن تسلسلات ERV تلعب دوراً كبيراً في عملية تنظيم النسخ الجيني في الإنسان على نطاق واسع”
لو لم يكن هناك في الحقيقة دور حيوي لهذه التسلسلات سوى هذه الوظيفة المهمة للغاية لكفت لنفي فكرة الخردة التطورية المتراكمة التي يؤمن بها التطوريون، لكن الأمر لا ينتهي هنا!
تظهر دراسة أخرى (6) وجود مثل هذه التسلسلات في بعض الثدييات كالخراف والفئران وهي تقوم بدور حيوي في مواجهة العدوى الفيروسية لفيروسات النسخ العكسي العادية exogenous retroviruses التي تهاجم الكائن. فهي بمثابة الجسم المضاد لأقرانها من الفيروسات المتشابهة في التسلسل.
تظهر دراسة أخرى (7) وظيفة أساسية ومهمة للغاية لهذه التسلسلات في عملية الولادة والإنجاب في البشر وبعض الثدييات الأخرى، فهي تترجم لبروتين فريد من نوعه يتم إنتاجه في المشيمة أثناء الحمل، هذا البروتين الفريد ينتج نسيج فريد أيضاً هو المسؤول عن تغذية الجنين عن طريق اتصال المشيمة بالرحم!
يقول المقال التالي (8) عن الدراسة المنشورة في دورية نايتشر:
“تظهر الدراسة وجود جين فريد في الجينوم البشري، هذا الجين يقوم بالتكويد لبروتين يتم إنتاجه فقط في خلايا المشيمة تم تسميته syncytin. الخلايا التي تقوم بتصنيع هذا البروتين توجد فقط في مكان التقاء المشيمة بالرحم. تقوم هذه الخلايا بالالتصاق ببعضها لتكون طبقة أحادية الخلية، تلك الطبقة المسماة syncytiotrophoblast التي تخترق الرحم لتكون الدائرة الغذائية بين الأم والجنين. لتلتصق هذه الخلايا ببعضها فإنها تستخدم بروتين syncytin والذي اكتشف فريق العلماء أن ما يكود له هو أحد تسلسلات ERV”
نفس هذا التسلسل المكود لبروتين syncytin موجود في الغوريلا والشمبانزي والقرود، لكن للغرابة، تم العثور على تسلسلات ERV مختلفة تماماً لكنها تقوم بنفس الدور تماماً في الفئران والخراف والبقر والعديد من الثدييات الأخرى!
تقول الدراسة:
“العديد من الثدييات تستخدم تسلسلات ERV لإنتاج البروتينات التي تحفز الالتصاق الخلوي في المشيمة، لكن السؤال لماذا هناك تسلسلات ERV مختلفة تماماً تقوم بنفس الوظيفة في كائنات مختلفة ما زال لغزاً! حقيقة أن العديد من الثدييات تستخدم تسلسلات ERV لتعزز التصاق الخلايا في المشيمة على الرغم من الاختلاف التشريحي بين مشيماتها هو أمر مثير للغاية”

هل نزيدكم من الشعر بيتاً؟!

تظهر دراسة أخرى (9) أن هناك تسلسل ERV آخر في الإنسان وبقية الثدييات، يقوم بالاشتراك مع التسلسل السابق في عملية التكاثر! وهو أيضاً تسلسل مختلف عن الأول، يقوم هذا التسلسل بإنتاج بروتين يقوم بتثبيط الجهاز المناعي للأم في المشيمة حتى لا يهاجم الجنين باعتباره “جسم غريب”!
الآن لنتخيل هذا السيناريو: تسلسلات (خردة) مختلفة، أتت من إصابات فيروسية مختلفة، في أسلاف مختلفة، في ثدييات مختلفة، لكنها كلها تلعب نفس الدور تماماً وتنتج بروتينات متشابهة تقوم جميعاً بنفس الوظيفة الهامة للغاية في التكاثر في الثدييات!
ليس هذا فحسب! بل إن هناك تسلسل آخر أتى بالصدفة من إصابة فيروسية أخرى يلعب بالصدفة دوراً تعاونياً مع قرينه الذي أتى بالصدفة ليقوما كليهما بالحفاظ على الثدييات من الانقراض!
هذا هو السيناريو الذي يريدنا التطوري تصديقه!
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد!
تظهر الدراسة التالية (10) دوراً حيوياً وأساسياً لتسلسل آخر من هذه التسلسلات، والمعروف بـ HERV-H RNA. يتم تعبير هذا التسلسل بوفرة في الخلايا الجذعية للجنين البشري stem cell لإعطائها القدرة على التنوع إلى أنواع مختلفة من الخلايا أثناء النمو الجنيني! هذا التسلسل له أكثر من 1000 نسخة في الجينوم البشري، وأماكن هذه النسخ محددة بدقة على الجينوم في الأماكن التي تقوم بالتعبير الجيني لوظائف وتركيب الخلايا الجذعية، فأماكن هذه التسلسلات على الجينوم ليست عشوائية بالمرة بل محددة بدقة ومناسبة لوظيفتها!
وهذه دراسة أخرى تظهر دخول هذه التسلسلات في عملية تنظيم التعبير الجيني للجينات التي تدخل في عملية تنظيم هضم الدهون وتحفيز خلايا الكبد (11).
ودراسة أخرى (12) تظهر أن هذه التسلسلات تلعب دورا محوريا في الوظائف الأساسية للدماغ وفي تكوين الشبكات الدماغية، وباعتراف التطوريين أنفسهم (13):
“كان الباحثون علي علم منذ فترة طويلة أن تسلسلات ERV تشكل حوالي 5 بالمئة من الحمض النووي لدينا، ولسنوات عديدة كانت تعتبر (حمض نووي خردة) وليس لها أي استخدام حقيقي، وهي أثر جانبي من رحلتنا التطورية. في الدراسة الحالية، فإن يوهان جاكبسون وزملاؤه قد بينوا أن تلك التسلسلات الفيروسية تلعب دوراً محورياً في الوظائف الأساسية للدماغ، وتحديدا في تنظيم الجينات وأيهم التي ينبغي التعبير عنها ومتى!”

ثم بعد ذلك كله يريدنا التطوري أن نصدق أن هذه التسلسلات ما هي إلا مجرد “صدفة سعيدة” أتت من خردة بلا فائدة! حقاً، إن النظرة التطورية هي إعاقة في طريق العلم، إعاقة ترضى بالخردة تفسيراً حتى لا تشغل نفسها باكتشاف الإبداع في المخلوقات.

المصدر
1) A HERV-K provirus in chimpanzees, bonobos and gorillas, but not humans2) Chimp genome reveals a retroviral invasion in primate evolution3) Large-scale discovery of insertion hotspots and preferential integration sites of human transposed elements4) Introns -- nonsense DNA -- may be more important to evolution of genomes than thought5) Retroviral promoters in the human genome6) Late viral interference induced by transdominant Gag of an endogenous retrovirus7) Syncytin is a captive retroviral envelope protein involved in human placental morphogenesis8) Mammals Made By Viruses9) The Roles of Syncytin-Like Proteins in Ruminant Placentation10) HERV-H RNA is abundant in human embryonic stem cells and a precise marker for pluripotency11) Long Terminal Repeats Are Used as Alternative Promoters for the Endothelin B Receptor and Apolipoprotein C-I Genes in Humans12) TRIM28 represses transcription of endogenous retroviruses in neural progenitor cells13) Do viruses make us smarter?

أشرف قطب

حاصل على بكالوريوس العلوم في تخصص الكيمياء الحيوية من جامعة بنها في مصر، وماجستير العلوم في إدارة نظم المعلومات، وماجستير الإدارة في تخصص إدارة المعلومات، وماجستير العلوم في إدارة النظم الهندسية، من جامعة ليستر في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى