Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التطور والداروينية

مشكلة وقت الانتظار

بين بيهي وناقديه

مشكلة وقت الانتظار

تبدأ القصة في عام 2004 حين نشر (مايكل بيهي) بروفيسور الكيمياء الحيوية، وأحد مؤيدي حركة التصميم الذكي لورقته العلمية (1) وكتابه حافة التطور في 2007، والتي جادل في كليهما أن الآليات الداروينية للتطور، بواسطة الطفرات والانتخاب، لن تكون قادرة على إنشاء أي تغيرات كبروية في المدد الزمنية التي يفترضها التطور.
فجادل مثلاً أن حصول طفرتين متناسقتين قد يستلزم مدة زمنية مقدارها 10^20 سنة.
نشر الباحثان (دوريت وشميدت) ورقة للرد على ما جاء به بيهي، لكنهم للأسف انتهوا إلى تأييد الطرح الأساسي الذي جاء به بيهي حتى أن معظم مؤيدي حركة التصميم الذكي أصبحوا يستدلون بدراستهم على عجز الآليات الداروينية، وإليكم التفاصيل.

تتحدث الدراسة (2) عن إمكانية حدوث طفرة نافعة تكون صفة مفيدة للكائن الحي، ويتم (تثبيتها) في الأجيال .. وتثبيتها يعني أن تصبح صفة سائدة في النوع .. هذه الطفرة النافعة أخذوا لها مثال واحد بسيط وهو الـ Regulatory sequence mutation وهو في الحقيقة من أبسط أنواع الطفرات التي تعتمد على استبدال بسيط في موضع ارتباط بروتين محدد على الـ DNA، وبتعريف بسيط:
“A regulatory sequence is a segment of a nucleic acid molecule which is capable of increasing or decreasing the expression of specific genes within an organism.”
وهذا النوع البسيط لا يناقش في الحقيقة أي إضافات لجينوم الكائن الحي، بل فقط يناقش transcription binding site .. يعني ببساطة هي طفرة قد تنتج تعبير جيني جديد genetic expression مختلف، لا طفرة تضيف معلومات جينومية، ولا تخلق أعضاءاً جديدة ولا أجهزة جديدة ولا تنشئ أنواعاً جديدة!! بل إنهم افترضوا في حساباتهم أن موضع الارتباط الجديد يجب أن يكون متشابهاً في الأحرف الجينية بنسبة 90% مع موضع الارتباط القديم!
ثم أخذ العالمين مثالاً على هذا النوع الواحد البسيط من الطفرات وبنوا عليه نموذجاً حسابياً للتبسيط، وهذا ما يقوم به أي دارس ولو حتى مبتدأ كي يقوم ببناء النموذج الحسابي، يقوم بأخذ مثال ودراسته ومن ثم بناء النموذج، ومن ثم محاولة استخدامه في أمثلة أخرى والنظر للنتائج. لكن هل يمكن تعميم هذه النتائج حقاً على كل أنواع الطفرات؟!
ما قاله بيهي، أنه (يستحيل) أن تقوم الطفرات العشوائية بتحويل نوع إلى آخر، فردت هذه الدراسة بأن هذا قد يكون (ممكن) الحدوث لكنه سيحتاج إلى مدد زمنية مهولة .. وأنا أنقل من الدراسة الآن:
“In particular, we examine the waiting time for a pair of mutations, the first of which inactivates an existing transcription factor binding site and the second of which creates a new one. Consistent with recent experimental observations for Drosophila, we find that a few million years is sufficient, but for humans with a much smaller effective population size, this type of change would take >100 million years.”
“تحديداً، نقوم بدراسة الوقت المطلوب لحدوث زوج من الطفرات، إحداهما تعطل موضع ارتباط عامل نسخ موجود، والأخرى تقوم بعمل موضع جديد. اتساقاً مع النتائج الملاحظة في ذبابة الفاكهة، فإن مثل هذه الطفرة تحتاج إلى بضعة ملايين من السنين، لكن في البشر وأعداد الأجيال البشرية الصغيرة جداً، فإن هذا النوع من الطفرات سوف يأخذ أكثر من 100 مليون سنة”
بل وتصف الدراسة هذا النوع من الطفرات أنه نوع (لابد فيه من التناسق) فتقول عن الطفرات الحادثة فيه أنها (طفرتان محددتان مسبقاً – two prespecified mutations) وتقول في موضع آخر (طفرتان متناسقتان – two coordinated changes) .. بمعنى أنه لابد من حدوث الطفرتان معاً وبشكل محدد ومتناسق كي ينشأ مكان الارتباط الجديد.
وفي خلال المقال وبعد حساب حجم أجيال البشر قالت الدراسة:
“We now show that two coordinated changes that turn off one regulatory sequence and turn on another without either mutant becoming fixed are unlikely to occur in the human population……Multiplying by 25 years per generation gives 216 million years.”
تقول الدراسة أن حدوث الطفرات العشوائية ليس أمراً مستحيلاً (رياضياً) معارضة بذلك مايكل بيهي – لكنها تقول بصراحة ووضوح أن حدوث واحدة فقط من (أبسط) أنواع الطفرات التي لا تضيف معلومات جينومية، ولا تخلق أعضاءاً جديدة ولا أجهزة جديدة ولا تنشئ أنواعاً جديدة بل فقط تخلق (تعبيراً جينياً) مختلفاً في كائن كالإنسان وتثبيت هذا التغير يحتاج إلى مدة قدرها 216 مليون سنة!! .. فكل ما فعلته الدراسة حقاً هو تحويل المستحيل النظري إلى ممكن نظري مستحيل عملياً!
الآن، هل انتهى الموضوع؟ .. لا

رد مايكل بيهي على نتائج تلك الدراسة وبين أن النموذج فيها قد شابه الخطأ في بعض الحسابات في الورقة المنشورة بنفس الدورية (3) وموضحاً نقطتين:
1- أن رقمه 10^20 ليس نتاج (نموذج رياضي) مثل نموذجهم، بل هو رقم مستقى من بيانات حقيقية تجريبية. فإذا اختلف النموذج الرياضي مع البيانات الفعلية، فإن هذا ينبغي أن يعني خطأ الحسابات.
2- أن هناك خطأ كبير في حساباتهم لأنهم لم يأخذوا في الاعتبار أن تكون الطفرتين غير متناسقتين، فلا تؤدي إحداهما النتيجة المرجوة منها.
ورد عليه الباحثين هنا (4) رافضين بعض انتقاداته التي تضخم الرقم، ومقرين بخطأهم في النموذج الرياضي:
“For the rate of the first mutation Durrett and Schmidt use a value estimated for the alteration of a transcription-factor-binding site, where any of 10 nucleotides could be changed. In the case of the protein, however, it is likely that a particular nucleotide of a particular amino acid residue’s codon must be changed. This introduces a 30-fold underestimate of the waiting time.
Behe is right on this point. This divides our previously computed overestimate of 5 million by 30.”
يعني هذا أنهم قد اقتربوا أكثر من 30 ضعف من الرقم الذي أعطاه بيهي وهو 10^20! هل تعرف ماذا يعني ذلك؟
يعني أن الرقم 216 مليون، قد اقترب من 6 مليار سنة!
ثم يحاول الباحثان إضافة فرضية جديدة لحفظ ماء الوجه قائلين:
“However, there are at least 20,000 genes in the human genome and for each gene tens if not hundreds of pairs of mutations that can occur in each one”
“ومع ذلك، هناك ما لا يقل عن 20000 جين في الجينوم البشري ولكل جين عشرات إن لم يكن مئات الأزواج من الطفرات التي يمكن أن تحدث في كل جين”
هكذا حين تعجز الأدلة، بل ويعجز الإثبات الرياضي، يتم الهروب إلى جائز، يمكن، يحتمل، ربما .. هذه ليست أدلة، هذا مجرد احتجاج بالمجهول. فما هي الأدلة أصلاً أن هناك عشرات الأزواج من الطفرات التي يمكن أن تحدث؟ وما هي الأدلة أنها ستحدث إن كانت جائزة الحدوث؟ وما هي الأدلة أنها قد حدثت بالفعل؟ لا شئ البتة .. لا شئ سوى الافتراض المجرد .. طالما هناك 20 ألف جين، إذا لابد وحتماً أنه ستحصل طفرات متناسقة بمحض الصدفة وتؤدي إلى نتيجة مفيدة.
يشبه هذا أن تقول: هناك 20 ألف سائق، سنضعهم في سباق للوصول إلى وجهة غير معروفة، ولن نخبرهم بالطريق، ولا بالمطلوب منهم، ولابد أن واحداً منهم سيصل بالصدفة إلى النتيجة التي نريدها ولا يعرفها، فهم عشرون ألف سيارة!
وفي النهاية، هل هذه الأرقام الفلكية جميعها تقترب بأي شكل من الأشكال من المدة الزمنية المفترضة لتطور أي كائن من كائن آخر كما يفترض التطوريون؟ سواءاً كانت هذه المدة على التقدير الأقصى 10^20 سنة أو الأدنى 216 مليون سنة؟!
والجدير بالذكر أن هذه ليست الدراسة الوحيدة التي خرجت بنتائج متشابهة، فهناك دراسة أخرى (5) خرجت بنتيجة مفادها أن الوقت اللازم لإنشاء سلسلة من اثنتين فقط من النيوكليوتيدات المطلوبة في تسلسل محدد ومعروف مسبقاً هو في المتوسط ​​84 مليون سنة! أمّا الوقت اللازم لإنشاء سلسلةٍ من خمس نيوكليوتيدات هو في المتوسط ​​2 مليار سنة!!
ثم لخصت الدراسة نتائجها قائلة:
“يبدو أنّ مشكلة وقت الانتظار (الوقت اللازم لحصول الطفرات حسب الآليات الدراوينية) تشكل عائقًا كبيرًا أمام التطور الماكروي للرئيسيات. إنّ إنشاء أي سلاسل مفيدة محددة من اثنين أو أكثر من النيوكليوتيدات بالآليات الدراوينية يصبح مشكلة كبيرة”
وهذا كله، على الرغم من أننا نعرف جيداً أن النقاش في الآليات نفسها إنما نناقشه تنزلاً، لأنه لا توجد أدلة أصلاً أنه قد حدث تطور كبروي بين الكائنات كما تفترض النظرية! فهي ظلمات بعضها فوق بعض.
المصدر
1) https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/15340163/2) https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2581952/3) https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2644969/4) http://www.genetics.org/content/181/2/8215) https://tbiomed.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12976-015-0016-z

أشرف قطب

حاصل على بكالوريوس العلوم في تخصص الكيمياء الحيوية من جامعة بنها في مصر، وماجستير العلوم في إدارة نظم المعلومات، وماجستير الإدارة في تخصص إدارة المعلومات، وماجستير العلوم في إدارة النظم الهندسية، من جامعة ليستر في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى